متابعة : خالد علواني
شهد المركز الثقافي أبو القاسم الزياني بمدينة خنيفرة، مساء الجمعة 9 ماي 2025، لحظة مسرحية استثنائية من خلال عرض “أصاد”، الذي أبدعته جمعية “أغورا للإبداع” ضمن فعاليات الدورة السادسة عشرة للمعرض الجهوي للكتاب. العمل المسرحي، المستلهم من روح الأدب الأمازيغي لتشيخوف، قدم تجربة درامية باذخة، تمزج بين الجمالية الفنية والبعد الهوياتي.
جاء العرض في حلة درامية مشدودة، من إعداد دراماتورجي ياسين الحجام، وإخراج عبد الله شيشة، الذي تقمص أيضا أحد الأدوار الرئيسية إلى جانب هاجر ضحى وسعاد شرف. وقد تميز الأداء بتجانس لافت بين الممثلين، تجسد في الحيوية والانسجام على الخشبة، حيث تماهت الشخصيات مع النص في مشاهد مشحونة بالرمزية والحميمية، تعكس صراع الإنسان الأمازيغي بين واقع مأزوم وحنين متجذر إلى الأرض والقيم.
رغم بساطة السينوغرافيا، التي صممها أمين موكيل، فإنها جاءت غنية بالدلالات، حيث استلهمت عناصرها من الفضاء الأطلسي: الخيمة التقليدية، الرموز المحلية، والذاكرة الجماعية. كما ساهمت الإضاءة التي أدارها يوسف ركراكي في تعزيز التوتر الدرامي، ومواكبة تحولات الشخصيات، فيما أضفت الموسيقى التصويرية لأحمد تيسي بعدا وجدانيا يعمق التجربة المسرحية.
“أصاد” ليست مجرد مسرحية٬ إنها لحظة تأملية تُعيد مساءلة العلاقة بين الإنسان الأمازيغي وأرضه، وتفتح نافذة على موقع المرأة في مجتمع يتحول. وقد قوبل العرض بتفاعل حار من جمهور غفير، حيّى قوة النص، ورشاقة الإخراج، وأداء الممثلين.
لكن اللافت في هذه التجربة ليس فقط ما دار فوق الركح، بل في كونه رصيفا لا خشبة، وسقفا من سماء لا قاعة عرض. فخنيفرة، التي لا تضم مسرحا مخصصا، وجدت في عزيمة جمعية “أغورا” بديلا نابضا، حيث تحوّل الرصيف الإسمنتي للمركز الثقافي إلى فضاء درامي حي، صدح فيه صوت الفن رغم غياب الجدران.
في عرض “أصاد”، المقتبس عن نص “ثفوشث”، تعبر البطلة عن جرح فقدان لم يندمل، عن حب لم يجد له مأوى، وعن الوفاء حين يتحول إلى قبر حي. إلى جانبها، “عويشة”، المرأة الحكيمة التي تحاول كسر قيود الماضي وفتح أبواب الحياة. أما العسكري، الجريح العائد من ساحات القتال، فيجد نفسه في مواجهة جراح من نوع آخر، أكثر توغلا في الروح.
بجرأة فنية واضحة، تواصل جمعية “أغورا للإبداع” ترسيخ حضورها في جهة بني ملال خنيفرة، مؤكدة أن المسرح الأمازيغي لا يزال قادرا على التجدد، وأن الركح الحقيقي هو حيث يكون الشغف، والرسالة، والإنسان.