اخباري ـ هشام العباسي
في زمنٍ أصبحت فيه البروتوكولات الرسمية تُشكّل حاجزاً بين المسؤول والمواطن، يطل علينا عامل صاحب الجلالة على إقليم شيشاوة، السيد بوعبيد الكراب، كحالة استثنائية ونموذج فريد في التواضع والإصغاء والتفاعل الإنساني.
في اللقاء التشاوري الأخير بعمالة شيشاوة، لم يجلس السيد العامل في الصفوف الأولى كما جرت العادة، بل اختار أن يكون بين المواطنين، في مشهد صادق يجسّد روح القرب من الناس ويفسّر فعلياً التوجيهات الملكية السامية الداعية إلى الإنصات للمواطنين وتقريب الإدارة من همومهم اليومية.

هذا السلوك الإنساني والمهني الراقي ليس مجرد لفتة عابرة، بل هو رسالة قوية في معنى القيادة العمومية التي ترتكز على الضمير والمسؤولية الأخلاقية قبل أي بروتوكول أو امتياز. فالسيد الكراب، كما يشهد له الجميع، مدرسة في الأخلاق والتواضع، ونموذج في حسن المعاملة والجدية، وهو ما جعل حضوره في الميدان عنواناً للثقة والتقدير من طرف الساكنة.
لكن، وعلى النقيض من هذه الصورة المشرقة، فإن بعض اللقاءات التشاورية الأخرى ما زالت تُدار بعقلية قديمة؛ حيث يجلس المسؤولون في الصفوف الأمامية، يُلقون الخُطب الطويلة، فيما يُكتفى من المواطنين بالإنصات دون مشاركة فعلية.
وهنا يضيع جوهر اللقاء التشاوري الذي أرادته وزارة الداخلية مناسبةً لـ تقاسم الآراء والمقترحات والأفكار حول برامج التنمية الترابية المندمجة، في إطار مقاربة تشاركية حقيقية تستجيب لتوجيهات جلالة الملك محمد السادس نصره الله.

ففلسفة هذه اللقاءات تقوم على الاستماع والتفاعل، لا على الاستعراض والخطابة. والمشهد الذي قدمه عامل إقليم شيشاوة هو تجسيد حيّ لهذه الفلسفة، حيث تحوّل اللقاء إلى فضاء مفتوح للحوار المسؤول والبناء، عوض أن يكون مجرد جلسة رسمية ذات طابع أحادي الاتجاه.
فالدولة استجابت لمطالب المواطنين والفاعلين المحليين بإطلاق مشاورات وطنية واسعة، من أجل رسم خطة تنموية قائمة على التشاركية، لكن نجاح هذه المبادرة يبقى رهيناً بمدى تجسيد المسؤولين في الميدان لروح هذا التوجه، كما فعل السيد بوعبيد الكراب، الذي أثبت أن القيادة الحقيقية تبدأ من الميدان… ومن التواضع قبل القرار.

ما يُؤسف له أن عدداً من اللقاءات التشاورية في الأقاليم الجنوبية لم ترقَ إلى مستوى هذا النموذج الراقي الذي شاهدناه في شيشاوة. فقد تحوّلت أغلبها إلى لقاءات شكلية يغيب فيها النقاش الحقيقي، ويُقصى صوت المجتمع المدني، وتُختزل في خطابات رسمية وصور تذكارية لا تعكس جوهر المشروع ولا فلسفته القائمة على الحوار والمشاركة، لأن التنمية الحقيقية تبدأ من الإنصات الصادق لا من المقاعد الأمامية.
Views: 19

