بقلم – هشام العباسي
في مغرب اليوم، تبدو السياسة وكأنها فقدت جوهرها. لم تعد فعلًا نبيلًا يُمارس بروح الجماعة والحلم المشترك، بل أصبحت وظيفة بلا معنى، يتقنها من يحسن المناورة أكثر مما يحسن الإصغاء للناس.
السياسيون الذين عمروا طويلًا في المناصب لم يتركوا وراءهم إلا الوعود، وبعض الصور القديمة. تغيرت الحكومات، وتبدلت المجالس، لكن الوجوه نفسها ظلت تطل علينا كل موسم انتخابي، بنفس الخطاب، بنفس الأسلوب، بنفس العجز. هؤلاء لم يفلحوا في خلق مدارس سياسية جديدة، ولا في تأطير شباب حقيقيين يحملون المشعل. لم يبنوا مشاريع، ولم يُحدثوا فرقًا في حياة الناس. اكتفوا بالجلوس على الكراسي، يراقبون التحولات من فوق، وكأن الوطن شركة خاصة.
منهم من تعاقب على البرلمان، ومنهم من تربع على رأس الجماعات لعقود، ومع ذلك، ظلت الأحياء كما هي، والبطالة كما هي، والخدمات في تدهور. لم نسمع عن استقالة أخلاقية، ولا عن مراجعة ذاتية. فقط صمت ثقيل يُخفي فشلًا كبيرًا. إن السياسة ليست حرفة للمناورة، بل مسؤولية أخلاقية وتاريخية. ومن فشل في الوفاء بوعوده، لا يجب أن يستمر فقط لأنه يملك آلة انتخابية أو قبيلة أو شبكة مصالح.
آن الأوان لقول الحقيقة: لقد خذلنا الكثير من الذين منحناهم الثقة. ولعل أول إصلاح نحتاجه اليوم هو استرجاع للسياسة معناها: أن نحلم، نختلف، ونبني معًا. بلا كذب، بلا شعارات، بلا وجوه متكررة. حينها فقط، قد يستيقظ السياسي فينا، والمواطن فيهم، ونبني وطنًا يستحقنا.
فالشعب المغربي ليس غبيًا، بل مجروح. مثقل بخيبات متراكمة وخطابات كاذبة. فقد الثقة، لكنه لم يفقد الأمل.السياسة لا يجب أن تكون مجرد وسيلة للصعود الاجتماعي أو البقاء في الواجهة. السياسة تعني خدمة الناس، والحديث بلغتهم، والعمل لأجلهم، لا التموقع فوقهم، ومن لا يملك مشروعًا أو رؤية، فليبتعد
Views: 5